في مطلع ذلك الحي وفوق سنديانة قديمة تستيقظ العصافير صباحًا لتعزفَ موسيقاها الهادئة، منذرةً ببدء يومٍ جديدٍ مفعمٍ بالنشاط والحيوية، يرافقها صوت الأطفال الذي ينبض بالبراءة النابعة من صدق نواياهم، وصدق كلماتهم البسيطة التي تكاد تفهمها من المرة الأولى، فقد يسقط منها حرف أو حرفان، وفي بعضها قد يجلس حرف مكان الآخر، فكل مكان يرافقهم ينبض بياضًا يشبه بياض قلوبهم. ذلك المكان الذي يرتدي ثوبه الأخضر المعتق على أرصفته المزينة بتلك الأشجار القديمة التي عاشت مع أبناء الحي سنة تلو الأخرى، وبعض من الزهور الفواحة التي تشاركهم أحزانهم قبل أفراحهم بكل ما فيها من تفاصيل، فكبر الزرع مع طبيب الحي الذي تخرج في جامعة المدينة القديمة، ليصبح طبيبًا مشهورًا، وآخر معلم ينشد كل يوم للوطن أنشودة وقصيدة، ومهندس رسم تصميمات عدة لينهض ببلده ويعمرها.