Sagot :
Explications:
مفهوم الحداثة La modernité مكانه اليوم في حقل المفاهيم الغامضة . وإذا كان هذا المفهوم يعاني من غموض كبير في بنية الفكر الغربي الذي أنجبه ، فإن هذا الغموض يشتد في دائرة ثقافتنا العربية ويأخذ مداه ليطرح نفسه إشكالية فكرية هامة تتطلب بذل مزيد من الجهود العلمية لتحديد مضامينه وتركيباته وحدوده . وبعيدا عن التوظيفات الساذجة والشائعة لمفهوم الحداثة ، التي تختزله إلى صيرورته الزمنية الراهنة ، حيث يجري الحديث عن الزمن الحاضر ، أو المرحلة الراهنة ، أو العصر الحديث ، أو المجتمع المعاصر ، يمكن القول بأن الحداثة هي غير بعدها الزمني ، إنها مفهوم فلسفي مركب قوامه سعي لا ينقطع للكشف ماهية الوجود ، وبحث لا يتوقف أبدا عن إجابات تغطي مسألة القلق الوجودي وإشكاليات العصر التي تثقل على الوجود الإنساني [ 3 ]
يرى كل من كارل ماركس K.Marx وإميل دوركهايم E.Durkeim ، وماكس فيبر M.Weber ، أن الحداثة تجسد صورة نسق اجتماعي متكامل ، وملامح نسق صناعي منظم وآمن ، وكلاهما يقوم على أساس العقلانية مختلف المستويات والاتجاهات [ 4 ] . في وتتمثل الحداثة كما يحددها جيدن في نسق من الانقطاعات التاريخية عن المراحل السابقة حيث تهيمن التقاليد والعقائد ذات الطابع الشمولي الكنسي . فالحداثة تتميز بأنماط وجود وحياة وعقائد مختلفة كليا عن هذه التي كانت سائدة في المراحل التقليدية حيث عرفت التغيرات التي شهدتها الحداثة بطابع التسارع والتنوع والشمول ولا سيما في مجال التكنولوجيا والمعرفة العلمية التكنولوجية ، كما عرفت هذه المرحلة أيضا بتنامي الاتصالات الفعالة بين جوانب الحياة الإنسانية حيث شملت الأقاليم والمناطق المتباعدة في جغرافية الكون . وهذه هي المرحلة التي حدثت فيها تحولات جوهرية في عمق المؤسسات على مدى تنوعها . وقد سمحت هذه التحولات والتغيرات الجوهرية في شروط الوجود للناس من السيطرة على مقدرات وجودهم وشروط حياتهم
يعرف جابر عصفور الحداثة " بأنها البحث المستمر للتعرف على أسرار الكون من خلال التعمق في اكتشاف الطبيعة والسيطرة عليها وتطوير المعرفة بها ، ومن ثم الارتقاء الدائم بموضع الإنسان من الأرض . أما سياسيا واجتماعيا فالحداثة تعني الصياغة المتجددة للمبادئ والأنظمة التي تنتقل بعلاقات المجتمع من مستوى الضرورة إلى الحرية ، من الاستغلال إلى العدالة ، ومن التبعية إلى الاستقلال ومن الاستهلاك إلى الإنتاج ، ومن سطوة القبيلة أو العائلة أو الطائفة إلى الدولة الحديثة ، ومن الدولة التسلطية إلى الدولة الديموقراطية [ 7 ] . " تعني الحداثة الإبداع الذي هو نقيض الاتباع ، والعقل الذي هو نقيض النقل " [ 8 ] . يصوغ أوزفالد شبغلر في كتابه انحطاط الغرب مفهوما للحداثة أطلق عليه حضارة الرجل الفاوستي ( نسبة إلى فاوست والفاوستية هي محصلة خصائص الإنسان الغربي الحديث ، أما فاوست فهو العملاق المبدع النهم الذي لا يشبع طموحه وظمأه إلى المعرفة ، ولا يتوقف عن البحث عن الحقيقة المطلقة ، وفاوست عند الشاعر الألماني ( غوته ) هو العبقري المغامر دوما وبلا هوادة نحو المعرفة " [ 9 ] . " والحداثة مفهوم متعدد المعاني والصور ، يمثل رؤية جد يدة للعالم مرتبطة بمنهجية عقلية مرهونة بزمانها ومكانها " [ 10 ] . فهي رفض الجمود والانغلاق والقبول بمبادئ الانفتاح والتفاعل مع الثقافات الإنسانية ، وهي تعني إطلاق الحرية وفسح المجال لكل التعبيرات الاجتماعية للقيام بدورها . یری ناصيف نصار في مجال التمييز بين الحداثة
بين الحداثة والتحديث : يرسم يعد الفصل بين مفهوم الحداثة والتحديث مدخلا منهجيا لتعريف الحداثة بصورة علمية . وغالبا ما الباحثون في ميدان العلوم الإنسانية حدودا فاصلة بين مفهومي الحداثة والتحديث . وعلى الرغم من هذا الترسيم العلمي يلاحظ هذا التداخل الكبير بين المفهومين . فغالبا ما يجري استخدام مفهوم تحديث للدلالة على الحداثة وعلى خلاف ذلك كثيرا ما يستخدم مفهوم الحداثة للإشارة إلى ظاهرة التحديث . وفي وصف طابع هذه الإشكالية يقول محمد محفوظ : " يبدو أن مصطلح الحداثة وكأنه نص مفتوح على كل مضامین التقدم المعاصر ، بحيث أنك لا تفرق بشكل صارم بین مضمون مصطلح الحداثة وبين مضامین مفاهيم التحديث والتقدم والعصرية أو الجديد . ويمتد التداخل ليشمل المعايير والقيم وأنماط السلوك واللباس وطراز السكن أي كل مناحي الحياة في آخر المطاف