Sagot :
المقدمة: صلة الرحم في ميزان الإسلام إنّ الرَّحِمَ في معنىً من معاني اللغةِ هو القرابةُ وأسبابها، والأرحامُ هُم أقاربُ الإنسان الذين يرتبط بهم برابطة النسب، وصِلةُ هذه القرابة هي الزيارة والتودُّدُ والإكرامُ وحُسنُ الضيافةِ، والمعاملة الحسنة وبشاشة الوجهِ، وهي مفهومٌ أكّد عليه الدين الإسلاميّ وحثّ على تثبيته في المجتمع، لما فيه من خيرٍ وفيرٍ، وتوطيدٍ لدعائم الأُسَرِ ودعمٍ للأفرادِ وأمور معاشِهم، فقد جعل الله تعالى على صلة الرحم مثوبةً عظيمةً، وإنها من أفضل الطاعات التي يتقرب بها العبد إلى مولاهُ عزّ وجل، وجعل قطعها من موجبات العذاب في الآخرة، وقطع الصلةِ بالله تعالى. العرض: صلة الرحم دعامة في بناء المجتمع إنّ صلة الرحم بمثابة الحَبل الوثيق الذي يربط بين لآلئ عقدٍ واحد، ولا بدّ لكلّ مسلمٍ أن يتبيّن أهميتها في القرآن الكريم والحديث النبويّ الشريف لما فيه من تأكيد على ارتباطها بوصلٍ من الله تعالى وقُربٍ منه، فقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قوله: "الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بالعَرْشِ تَقُولُ مَن وصَلَنِي وصَلَهُ اللَّهُ، ومَن قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ"،[١]. فالإحسانُ إلى ذوي القربى فعلٌ محمودٌ واجب، يمتّنُ الصلة بين الأهل ويجمعُ فُرقتهم، ويقرّب بعيدهم، حتى إذا اجتمعوا كانَ الوِدُّ والعطف، وإذا تآلفوا على مأكلٍ واحد تمايلتْ الأُلفةُ بينهم، واستقرّت المحبّة في قلوبهم. وإذا ما تأمّل الإنسان البركة التي يجنيها من صلة الرحم لأدهشهُ ما تفعلهُ على مرّ الزمن! إنها تزيد العمر بركةً وتوفيقًا للطاعات، وإذا بوركَ للإنسان في عُمرهِ عَمُرَت أوقاتُه بما يُرضي الله تعالى وينفعه في الآخرة، وحُفظَتْ أيامهُ من الضياع في اللهو والملذات، كماأنّ صلة الرحم تزيد البركة في المالِ، ممّا يجعلهُ متكاثرًا في سبُل الخير، وذلك ما جاء الحديث النبوي الشريف، فعن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "تعلَّموا مِن أنسابِكم ما تصِلونَ بهِ أرحامَكم، فإنَّ صلةَ الرَّحمِ محبَّةٌ في الأهلِ مَثراةٌ في المالِ مَنسَأةٌ في الأثَرِ".[٢] إنّ هذا الحديث يُبيّن أنّه لا يُمكن الاكتفاء بوصل الأقارب المقربين وحسب، بل يحثّ الإنسان على تعلّم أسماء آبائه أو أجداده أو أقاربه ليكون حريصًا على وصلهم، ثم يُعدّد فوائد تلك الصلة من مودّة بين الأهل وبركةٍ في المال وطولٍ في العُمر، ولا شكَّ أنّ جبر الخواطر بين الأقارب لا يتحقّق إلا بالاهتمامِ بهم والعناية بوصلهم والحرص على ما ينفعهم والحماية ممّا قد يؤذيهم بما يتناسب مع أحكام الشريعة. وفي كل الأحاديث النبوية يتّضح أنّ الرحم متشابكة متصلة ببعضها لا ينبغي لأحدٍ أن يفكك ارتباطها، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "إنَّ الرَّحِمَ شِجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، فقالَ اللَّهُ: مَن وصَلَكِ وصَلْتُهُ، ومَن قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ".[٣] الشُجنةُ في اللغة العربية هي الغصن المتشابك والشجر الملتفّ على بعضه، لذلك لا بُدّ من تحقيق ذلك المعنى، وحمايته من الانفصال بالخصام والهجر وسوء المعاملة، إضافةً إلى أنّ قطع الرحم يستوجب البعد عن جنة الله تعالى ورضوانه، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ"،[٤]. فما أشدّ حرص هذا الدين على المعاملة الحسنة، والوحدة التي تضمن للمسلمين قوة مجتمعهم ونهضته، وتوفير الدعائم الأساسية لكونه أفضل مجتمعٍ يبدأ من إصلاحِ أصغر جزءٍ فيه وهو الفرد، ويمر بإصلاح الأسرة ثم ينطلق إلى إصلاح الأمة كلها. لا شكّ أن الرّحم في تسميتها مشتقّةٌ من اسم الله تعالى "الرحمن"، وهذا الاسم الذي يتجلّى به على العبد فتتنزل عليه الرحمة، فينجو بها من أهوال الحياة الدنيا والآخرة، ففي الحديث القدسي قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: "أنا الرَّحمنُ، خلَقتُ الرَّحِمَ، وشقَقتُ لها مِنَ اسْمي اسْمًا، فمَن وصَلَها وصَلتُهُ، ومَن قطَعَها بتَتُّهُ"،[٥] وهذا حديث عظيم لا ينبغي أن يتهاون المسلم بما جاء فيه. ولابد أن نعي جيدًا إلى أن الرحمن الذي اتّصف بكثرة الرحمةِ وسِعَتها جعل جزءًا من تلك الرحمة في صلة الأقارب والأرحام، فمن أحسن إلى أهله ورفق بهم نال رضوان الله تعالى، ومن أعرضَ عن ذلك بالمشاحنة والخصام والقطيعة عاقبه الله عز وجل بالانصراف عنه، والإبعاد عن دائرة الرحمة العظيمة التي يتصف بها سبحانه وتعالى. وقد حثَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- على تقديم الأقارب على غيرهم في الصدقة، إذ إن الصدقة التي ينال المسلم ثوابها تصبح مُضاعفةً حين تجتمع مع صلة الرحم، وتؤدي وظيفتين في آنٍ واحد، أولها: الترقب إلى الله بإنفاق المال ومساعدة الناس، وثانيها: التقرب إلى الله تعالى بصلة الرحم، وفي ذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "صدقةُ ذي الرحمِ على ذي الرحمِ صدقةٌ وصِلةٌ"،[٦] مما يجعل هذا الأمر أكثر أهميةً وفائدةً للإنسان ومجتمعه. وفي ذلك حثٌّ على استكثار وجوه الخير إذا تسنّى للمسلم ذلك، وتبيّن له أنه يمكن الجمع بين وجهي من وجوه الصّلاح، ومن أفضلها تحقيق التكافل بين أفراد المجتمع الإسلامي. الخاتمة: صلة الرحم أجر وثواب لقد تكرّم الله عزّ وجل بالثواب على عباده المؤمنين، وجعل لهم أبواب الخير مفتوحةً لينهلوا منها ما استطاعوا، ويتنافسوا في وجوه البرّ والصلاح، ويقدّموا لأنفسهم أعمالًا صالحةً تجعلهم في جنان الخلد والنعيم، وتكرّم عليهم بجعل تلك الجِنان على درجاتٍ كثيرةٍ متناهية في البهاء، فلا يبذلُ مؤمنٌ خيرًا إلا جزاهُ عنه نعيمًا وأجرًا في الآخرة. ومن آياتِ أفضاله أن جعل صلة الرحم أمرًا يؤجر عليه المرء، إذ هو أمر يؤنس النفس ويشرح الصدر، ويبني الكثير من الودّ والمحبة، ويُسَيِّرُ الكثير من المصالح التي بها تتقدّم عجلة الحياة نحو الخير والطاعات، ويُساعد المرء على النجاة من العديد من المصاعب، فما أحسنَ أن تكونَ الأسرةُ يدًا واحدةً في أيامها اليسيرة والعسيرة، وما أشدّ إحسانَ المرءِ حين يُحسنُ ل