Sagot :
ذات يوم بينما كنت عائدة من المدرسة. فجأة اجتاحت القرية عاصفة هوجاء ، دمدم الرعد يصم الآذان و قصف البرق قصفا يخطف الأبصار و ولولت الرياح موحشة تكاد تقتلع سقوف المنازل و اختلط زفير الرياح بثغاء الغنم و عواء الكلاب، وكسا الظمي وجه الأرض.
كنت أمشي و قد كساني الماء من رأسي إلى قدمي و أنا أحاول أن أتماسك أمام هول العاصفة. فجأة تناهى الى مسمعي صوت أنين أو هو مواء خافت . نظرت إلى الوراء فإذا بها هرة صغيرة سوداء اللون براقة العينين ابتل شعرها الناعم و أصبح كالقنفذ من شدة البرد و اهتز ذيلها الطويل ، كانت تموء مواء يقطع القلب كأنها تستنجد و تستعطف أحدا . رق قلبي لحال هذه المسكينة و انتابني شعور غريب تجاهها فأنا أيضا أعاني نفس ما تعانيه من جوع وألم . دون وعي مني وجدتني أحضنها بحثان و عـطف و عدت بها إلى المنزل مسرعة و ما إن وطأت قدماي أرض البيت حتى استوقفتني أمي متسائلة :" أسرعي لتغيير ملابسك يا صغيرتي .. ولكن ماذا تحملين في يديك؟ قطة ؟ أين وجدتها يا ابنتي فأجبتها مبتسمة :" في الشارع يا أم...ي" . غضبت أمي وصاحت " هيا ضعيها خارجا فأنا لا أحب الحيوانات السائبة فهي تنقل معها الأمراض أينما حلت ". قلت لها و أنا أضم القطة إلى صدري و الدموع تتساقط من عيني :" ليست سائبة أو متشردة يا أمي، إنها مسكينة " و أردفت متوسلة :" من فضلك يا أمي دعيها عندي فأنا
أحب القطط كثيرا فهي وديعة و ناعمة " . وافقت أمي وهي تردد :" يا لك من فتاة عنيدة"، امتلأ وجهي بشرا و شع في عيني فرح . ثم أخذت الهرة الصغيرة و وضعتها في بيت صغير خشبي و قدمت لها خبزا و حليبا دافئا. فأكلت حتى شبعت و شربت حتى ارتوت، ثم تمددت على فراشها الذي صنعته لها من قشر النجارة ليكون لها فراشا دافئا . فنظرت إلي وكأنها تشكرني بعينين تشغان دفئا و حنانا. و مضت الأيام فترعرع عودها و اشتد و دبت الحياة في أوصالها من جدید فازدادت جمالا و صحة. كانت تحبني لأنني رعيتها و اعتنيت بها و صارت كظلي لا تفارقني فهي بين رجلي إذا مشيت و في حضني إذا جلست و إلى جنبي إذا وقفت و أينما كنت كانت فهي أنيستي في بيتي و في لعبي. يا لها من قطة وديعة و مؤنسة و يال حظي حين عثرت عليها..