Sagot :
تركز الأدبيات المتاحة عن المغرب اليوم، خاصة التي صدرت بعد اندلاع الاحتجاجات في العالم العربي عام 2011، على العملية المتراوحة بين التغيير والانتقال في إطار ما يسمى بـ"السياق التسلطي"، وهو سياق أظهرته عناصر ليبرالية وديمقراطية تجلت في الدستور الذي أُقِرَّ في مارس/آذار 2011. في المقابل، تلاحظ هذه الأدبيات أن تركيبة القوة لا تزال مستقرة(1)، وواكب ذلك ظهور فاعلين جدد، من بينهم الشباب -خصوصًا من انتظموا لأول مرة في حركة 20 فبراير/شباط- الذين دأبوا على النشاط العام منذ احتجاجات العام 2011. لكن شبكة القوى التقليدية، أو "المخزن"، الملتفة حول الملك لا تزال هي الأخرى قوية، فاستعملت الخطاب الرسمي لاستبقاء سطوتها وإضعاف خصومها من خلال استراتيجيات عزَّزت شرعية الملك خلال مرحلة الاتجاه الوطني صوب تغيير الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية السائدة في البلاد(2). هنا، يرى مايكل ويليس (Michael Willis) أن المثير في الأمر هو الاستقرار العام للنظام السياسي الذي تلا فترة ما بعد الاستعمار، ومعه الشبكات النخبوية في الدول المغاربية، منذ عملية التحرر في خضم أوقات الأزمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية(3). فقد ظل المغرب مَلَكية دستورية منذ فترة ما بعد الاستعمار ونيل الاستقلال في العام 1956، ليشكِّل بذلك حالة نموذجية لإجراء دراسات بحثية تُعنى بتحليل الوظائف المتغيرة لوسائل الإعلام في مراحل الانتقال السياسي.
لقد انطوى العقد المنصرم على سياقٍ جمع بين التغيير المنحدر من أعلى والضغوط الصاعدة من أسفل في آن واحد. وتميزت المملكة المغربية خلال العقد الماضي بانتشار نقاش عام حول ضرورة التحول الديمقراطي، خاصة على صفحات الجرائد والمجلات، مثل "تيل كيل" (Telquel)، و"لو جورنال" (Le Journal)، و"الصحيفة"، و"لكم". وفي الوقت الذي تراجع فيه الاعتراض على صلاحيات الملك، بالتوازي مع تصاعد الضغوط على وسائل الإعلام في مستهل العام 2011(4)، فإن وسائل الإعلام لا تزال من الآليات الرئيسة الباعثة على التغيير الاجتماعي والمتأثرة به في آن(5). ويأتي في القلب من ذلك الأهمية المتزايدة لشبكة الإنترنت وإعادة هيكلة قطاع الخدمة السمعية البصرية منذ مطلع الألفية الحالية(6). كما أسهم إنشاء محطات إذاعية خاصة منذ العام 2006 في فتح المجال العام وإيجاد فضاءات إضافية تتيح لشريحة أكبر من الجمهور مناقشة موضوعات من قبيل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، وقضايا الفساد، والمساواة بين الجنسين، والقضايا الجنسية. وتبعًا لذلك، اكتسبت الخدمة الإذاعية مكانة جديدة داخل المجتمع المغربي، حتى مع الامتناع عن إصدار تراخيص جديدة لإذاعات خاصة منذ احتجاجات 2011. غير أن التحول في الاستماع للخدمات الإذاعية يستدعي البحث في أسباب ميول الجمهور إلى المحطات الإذاعية، واستقصاء أسباب تفضيله فقرات بعينها على ما سواها.
في هذا السياق، تحاول الدراسة الإجابة على سؤالين محوريين: ما دوافع وأسباب اختيار الاستماع إلى الخدمات الإذاعية؟ وما نوع التغيير الاجتماعي المنتظر من المحطات الإذاعية والتفضيلات البرامجية؟ حيث تهدف الدراسة إلى فهم الآليات التي جعلت من الخدمة الإذاعية وسيلة إعلامية بارزة في المغرب، وذلك من خلال التركيز على العوامل التي أفضت إلى التغييرات التي شهدها العام 2011 وما تلاها من إجراءات لاحقة. علاوة على ذلك، تتطرق الدراسة إلى بيان دور الخدمات الإذاعية بيانًا أوفى من خلال تحليل وسائل الإعلام في عموم منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
تجمع هذه الدراسة منهجيًّا بين نوعين من البيانات أحدهما كمي وآخر كيفي سعيًا للإجابة على السؤالين المحوريين، علمًا بأن البيانات الأساسية مستقاة من مجتمع بحثي اشتمل على 75 مبحوثًا عبر إجراء مقابلات شبه مقننة مع سائقي سيارات أجرة في مراكز حضرية كبرى داخل المغرب. وقد وقع الاختيار على هؤلاء الأشخاص باعتبارهم فئة تستمع بصفة اعتيادية للبث الإذاعي الذي يشكِّل مظهرًا من مظاهر بيئة عملهم، وهو ما يعني قدرتهم على تقديم رؤى متعمقة بشأن الميول الاستماعية الإذاعية. كما استعان الباحث بأداة الاستبيان الإلكتروني الذي شارك فيه 55 طالبًا بهدف إعمال وسائل المقارنة والمقابلة بين مجموعة يُتوقع منها الاستماع إلى المحطات الإذاعية بصفة منتظمة، وأخرى يُتوقع منها الاستماع إلى المحطات الإذاعية بوتيرة أقل. أما سياق تحليل البيانات فهو منضبط بمقابلات شخصية مع مديري محطات إذاعية ومنتجين يعملون فيها وممثلين عن وزارة الاتصالات، فضلًا عن الجهة المنظمة للقطاع مُمَثَّلَةً في الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، وخبراء من المعهد العالي للمعلومات والاتصال في الرباط. وأخيرًا، استعان البحث، أيضًا، بوثائق رسمية نشرتها الهيئة العليا، وعينة من البيانات الكمية الحديثة بشأن جمهور الإذاعة، وهي مستمدة من إحصاءات صادرة عن وكالات تصنيف محلية منذ العام 2012.
أُجري القسم الميداني من البحث في مدن الرباط والدار البيضاء وفاس ومكناس وطنجة في المقام الأول، علمًا بأن مقرات معظم المحطات الخاصة والأفرع الإذاعية التابعة للدولة والمؤسسات العامة ذات الصلة (مثل وزارة الاتصالات والهيئة العليا) توجد في الرباط والدار البيضاء. أما سبب ضم مدينتي فاس ومكناس إلى مجال الدراسة فهو تقييم المشاركة الإعلامية والخدمات الإذاعية التي تستهدف المناطق النائية خارج المراكز الاقتصادية في الدار البيضاء وطنجة والمركز السياسي المتمثل في مدينة الرباط. كما أن الحجم الكبير لسكان مدينتي فاس ومكناس، والذي يناهز 5 ملايين نسمة دفعنا لاختيارهما ضمن عينة البحث. يضاف إلى ذلك وجود عينة مُمَثِّلَة للمحطات الإذاعية الوطنية والمحلية في تلك المناطق؛ ففي فاس توجد محطتان إذاعيتان خاصتان، وهناك محطة في مكناس، وهناك أيضًا فروع إقليمية تابعة للشركة الوطنية للإذاعة والتليفزيون، فيما تتركز المحطات الخاصة المهمة الأخرى في كلٍّ من مدن طنجة ومراكش وأكادير. وحرصًا على السرية، فقد كان إخفاء الهوية شرطًا لبعض المبحوثين من أجل إجراء المقابلات.
لقد انطوى العقد المنصرم على سياقٍ جمع بين التغيير المنحدر من أعلى والضغوط الصاعدة من أسفل في آن واحد. وتميزت المملكة المغربية خلال العقد الماضي بانتشار نقاش عام حول ضرورة التحول الديمقراطي، خاصة على صفحات الجرائد والمجلات، مثل "تيل كيل" (Telquel)، و"لو جورنال" (Le Journal)، و"الصحيفة"، و"لكم". وفي الوقت الذي تراجع فيه الاعتراض على صلاحيات الملك، بالتوازي مع تصاعد الضغوط على وسائل الإعلام في مستهل العام 2011(4)، فإن وسائل الإعلام لا تزال من الآليات الرئيسة الباعثة على التغيير الاجتماعي والمتأثرة به في آن(5). ويأتي في القلب من ذلك الأهمية المتزايدة لشبكة الإنترنت وإعادة هيكلة قطاع الخدمة السمعية البصرية منذ مطلع الألفية الحالية(6). كما أسهم إنشاء محطات إذاعية خاصة منذ العام 2006 في فتح المجال العام وإيجاد فضاءات إضافية تتيح لشريحة أكبر من الجمهور مناقشة موضوعات من قبيل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، وقضايا الفساد، والمساواة بين الجنسين، والقضايا الجنسية. وتبعًا لذلك، اكتسبت الخدمة الإذاعية مكانة جديدة داخل المجتمع المغربي، حتى مع الامتناع عن إصدار تراخيص جديدة لإذاعات خاصة منذ احتجاجات 2011. غير أن التحول في الاستماع للخدمات الإذاعية يستدعي البحث في أسباب ميول الجمهور إلى المحطات الإذاعية، واستقصاء أسباب تفضيله فقرات بعينها على ما سواها.
في هذا السياق، تحاول الدراسة الإجابة على سؤالين محوريين: ما دوافع وأسباب اختيار الاستماع إلى الخدمات الإذاعية؟ وما نوع التغيير الاجتماعي المنتظر من المحطات الإذاعية والتفضيلات البرامجية؟ حيث تهدف الدراسة إلى فهم الآليات التي جعلت من الخدمة الإذاعية وسيلة إعلامية بارزة في المغرب، وذلك من خلال التركيز على العوامل التي أفضت إلى التغييرات التي شهدها العام 2011 وما تلاها من إجراءات لاحقة. علاوة على ذلك، تتطرق الدراسة إلى بيان دور الخدمات الإذاعية بيانًا أوفى من خلال تحليل وسائل الإعلام في عموم منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
تجمع هذه الدراسة منهجيًّا بين نوعين من البيانات أحدهما كمي وآخر كيفي سعيًا للإجابة على السؤالين المحوريين، علمًا بأن البيانات الأساسية مستقاة من مجتمع بحثي اشتمل على 75 مبحوثًا عبر إجراء مقابلات شبه مقننة مع سائقي سيارات أجرة في مراكز حضرية كبرى داخل المغرب. وقد وقع الاختيار على هؤلاء الأشخاص باعتبارهم فئة تستمع بصفة اعتيادية للبث الإذاعي الذي يشكِّل مظهرًا من مظاهر بيئة عملهم، وهو ما يعني قدرتهم على تقديم رؤى متعمقة بشأن الميول الاستماعية الإذاعية. كما استعان الباحث بأداة الاستبيان الإلكتروني الذي شارك فيه 55 طالبًا بهدف إعمال وسائل المقارنة والمقابلة بين مجموعة يُتوقع منها الاستماع إلى المحطات الإذاعية بصفة منتظمة، وأخرى يُتوقع منها الاستماع إلى المحطات الإذاعية بوتيرة أقل. أما سياق تحليل البيانات فهو منضبط بمقابلات شخصية مع مديري محطات إذاعية ومنتجين يعملون فيها وممثلين عن وزارة الاتصالات، فضلًا عن الجهة المنظمة للقطاع مُمَثَّلَةً في الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، وخبراء من المعهد العالي للمعلومات والاتصال في الرباط. وأخيرًا، استعان البحث، أيضًا، بوثائق رسمية نشرتها الهيئة العليا، وعينة من البيانات الكمية الحديثة بشأن جمهور الإذاعة، وهي مستمدة من إحصاءات صادرة عن وكالات تصنيف محلية منذ العام 2012.
أُجري القسم الميداني من البحث في مدن الرباط والدار البيضاء وفاس ومكناس وطنجة في المقام الأول، علمًا بأن مقرات معظم المحطات الخاصة والأفرع الإذاعية التابعة للدولة والمؤسسات العامة ذات الصلة (مثل وزارة الاتصالات والهيئة العليا) توجد في الرباط والدار البيضاء. أما سبب ضم مدينتي فاس ومكناس إلى مجال الدراسة فهو تقييم المشاركة الإعلامية والخدمات الإذاعية التي تستهدف المناطق النائية خارج المراكز الاقتصادية في الدار البيضاء وطنجة والمركز السياسي المتمثل في مدينة الرباط. كما أن الحجم الكبير لسكان مدينتي فاس ومكناس، والذي يناهز 5 ملايين نسمة دفعنا لاختيارهما ضمن عينة البحث. يضاف إلى ذلك وجود عينة مُمَثِّلَة للمحطات الإذاعية الوطنية والمحلية في تلك المناطق؛ ففي فاس توجد محطتان إذاعيتان خاصتان، وهناك محطة في مكناس، وهناك أيضًا فروع إقليمية تابعة للشركة الوطنية للإذاعة والتليفزيون، فيما تتركز المحطات الخاصة المهمة الأخرى في كلٍّ من مدن طنجة ومراكش وأكادير. وحرصًا على السرية، فقد كان إخفاء الهوية شرطًا لبعض المبحوثين من أجل إجراء المقابلات.