Sagot :
نص الفجر الصادق:
ذات ليلة من أخريات رمضان، بعد ميلاد المسيح عليه السلام بستة قرون وعشر سنينن لف أم القرى صمت لا يسمع فيه غير أنفاس الليل مختلطة بهمهمة صلوات وثنية، كانت ما تزال تتسلل من البيت العتيق. ونامت الدنيا، لا تلقي بالا إلى (محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي) إذ يأوي إلى غار هناك، مستغرقا في تأمله يلتمس في العتمة الداجية شعاعا من نور الحق، وينشد في خلوته قبسا من هدى، وخواطره تحوم حول مقام إبراهيم من البيت العتيق، الذي صار مع الزمن مثوى لأوثان ممسوخة وأصنام شوهاء.
وغير بعيد من غار حراء، هجعت مكة تجتر ذكريات مجدها الديني الغابر وقد طوته وثنية عمياء، وتساورها من حين إلى آخر رجفة من قلق الوعي لا تلبث أن تهمد تحت وطأة الكابوس الجاثم …
ونامت الدنيا، لا تحسب حسابا لهذا الهاشمي في غار حراء، فقد ألفت أن تراه ينسحب إليه من ضجيج المجتمع، عازفا عن تلك الاوثان التي يعبدها قومه كما وجدوا آباءهم لها عابدين.
التاريخ مشغول عن مكة والغار بأحداث جسام خارج الجزيرة، مشدود بصره إلى نذر الانهيار في عالم يريد أن ينقض بعد أن تصدع بالصراع بين الفرس والروم على مراكز القوة، ومناطق السلطة والنفوذ …
وأوغل الليل قبل أن يطلع فجر تلك الليلة من رمضان، ومع نور الفجر البازغ من الليلة الغراء، تجلى الوحي للهاشمي المختلي في الغار وألقى إليه الكلمة: (إقرأ). وما كان محمد بقارئ، وما كان يتلو من كتاب، ولا يخطه بيمينه من قبل أن ينزل عليه الوحي بكلمات ربه.