Sagot :
Réponse :
في ذلك الحي القديم، الذي تعمّ فيه البيوت العتيقة ذات الشكل التقليدي، وحولها بضع أشجار معمرة كالتين والزيتون الصنوبر ودالية عنب، يأكل منها أهل الحي كلهم، ولكل بيت بوابة حديدية قديمة، ما إن تفتح إلا وتهب تلك النسائم الرقيقة التي تعبق برائحة التراث القديم، بكل ما فيه من عادات وتقاليد، هناك شيّد جدي منزله الذي جمع فيه كل ذكرياته ونشأ به. في كل مرة أزوره بها كان لا يمل من حديثه عن فترة شبابه الزاخرة بالأشياء المفرحة والحزينة، اللحظة الذي انتقل فيها من بيته القديم ذي السقف المصمم من القش والطين، والنوافذ الصغيرة والباب الخشبي الذي كان لا يغلق أبدا، بدءًا من سهرة أصحابه تحت شجرة الكينا وتبادلهم الحديث الشيق عمّا صادفهم في يومهم الطويل الشاق، إلى المواقف الطريفة، وصولًا إلى هذه الشجرة التي تجمعهم، كانت الحياة في هذا الحي تنعم بالهدوء ما تكاد تغيب الشمس إلا وقد أوى كل واحد إلى منزله، يجتمعون حول موقد النار، ويتناولون المشروبات الساخنة، ويأكلون البطاطا الحلوة والكستناء، حتى يطغى عليهم شعور النعاس، وتطفأ قناديل البيت. في ذلك الحي يعيش الجميع في ظروف اقتصادية واحدة، فليس هناك أي فروق تحد من علاقتهم ببعضهم البعض، وتجل بينهم أي حاجز، يلتقون في الشوارع المزدحمة فتشعر وكأنهم أصحاب ملامح واحدة، قلوبهم نقية، لا مصالح تجمعهم فتشتت علاقتهم، يتواصلون مع بعضهم البعض، فإذا غاب أحدهم يفتقدوه ويسألوا عنه، فإذا كان مريضًا زاروه، وأصابه حزن أو فرح شاركوه، يحفظون حق الجار، أمّا نساء الحي لا يملن من تبادل الزيارات فيما بينهن واحتساء القهوة، والبدء بشكواهن المستمرة عن أطفالهم وأزواجهم، وما يرافق حياتهم من هموم.