Sagot :
Réponse :
Explications :ط
كان دكانه في آخر القرية، بينه وبين الحقول مسافة قصيرة، وكان متواضعا جدا؛ ليتناسب مع البيئة التي فتح فيها دكانه.
رأيته جالسا على كرسي قصير ، وأمامه منضدة عالية صفّ عليها أدواته .
كان متوسط العمر ، تظهر على وجهه آثار الصحة ، وفي كفيه خشونة تتناسب مع صنعته . قابلني بوجه رزين لا ينبئ بشيء ، لم يكن فيه تودد ولا ترحيب .
ألقى عليه نظرة خاطفة ، وهو يفحص الحذاء الذي قدمته له ، وأحسست بوطأة الخجل ، وهو يقلبه بين يديه ، كما يقلب الطبيب طفلا ميتا ؛ وكأنه يقول لي بغير كلام : لم يبق فيه شيء يصلح يا سيدي، ثم وضعه على المنضدة أمامه، وانصرف إلى خياطة حذاء جديد على وركيه .
كل هذا ولم يرفع إليّ طرفا ؛ فأحسست بقلق وضجر، وغيظ ، وبعد فترة ، تناهى إليّ صوته يقول ، وهو مطرق نحو حجره ماذا تريد يا سيدي ؟
- أريد أن تصلح لي الحذاء
فأجاب دون أن يغير وضعه ، وكأنه يتحداني :خمسون جنيها .
- أنا لا أسألك عن تكاليف الحذاء الجديد .
- مفهوم .
وسكت كل منا ، وجعل يعمل إبرتيه المقوستين فيما بين يديه دون أن يكلمني . فقلت له :
- ألا يكفي ثلاثون ؟
- يفتح الله .
وخطفت الحذاء ، وانصرفتُ قبل أن أضربه بشيء مما أمامه . وسرتُ في طريقي وأنا أتمتم بدعوات وتمنيات مختلفة ، حتى وصلت إلى حجرتي ، وجلست أستعيد الموقف .
ولما هدأ غضبي قلت :- لا مفر هل أسير حافيا ؟ ليكن ما يكون !
وعدت إليه ؛ وكان جالسا كما كان ، يعمل إبرتيه المقوستين ..
وألقيت عليه السلام، فلم يرفع إليّ طرفا ، وجلستُ ، فلم ينظر إليّ ، ووضعت الحذاء أمامه ، فلم يتحرك .
عندئذ قلت :
- أرجو أن تنتهي من إصلاحه هذا اليوم .
- إن شاء الله .
فبلعت ريقي ، وقلت في سذاجة :
- ألا يمكن أن تتنازل لي عن عشرة جنيهات ؟ إنك تبالغ .
- أنت تعرف جيدا الحالة التي آل إليها حذاؤك .
- افرض أنني لا أملك هذا المبلغ .
- في هذه الحالة ، استغن عن الحذاء وامش حافيا .
فرفع إليّ وجهه ، وابتسم للمرة الأولى ، وقال بصوت خافت :
- لا تغضب ! ليس في الدنيا شيء يستحق الحزن .
- أنت لا تعرف كيف تتكلم !
- يُـخيّـل إليّ ذلك . أنني لم أخطأ. في الدنيا بشرٌ يتمنون على الله أن يسيروا حفاة ،
ويكونوا سعداء جدا بذلك .
ألا تصدق ؟ وفك رباط رجليه ، وأظهر إحداهما من تحت جلابيته فإذا بها
مقطوعة ، وكان مع ذلك يبتسم في هدوء !
عندئذ ، ذكرت المثل القائل : ( خرجت أطلب حذاء فوجدت أُناسا بدون رجلين )
وعدت إلى مسكني أكثر هدوءا وسعادة